القائد "محمود جودة": سجلٌ حافلٌ في الجهاد والتضحية

الخميس 28 فبراير 2019

الإعلام الحربي _ خاص

يخلف القائد ألف قائد ويحمل اللواء فارس جديد، هكذا هم رجال فلسطين، رجال الله يحملون على أكتافهم هم الوطن السليب فلسطين، إنهم الشهداء الأكرم منا جميعا، إنهم العظماء الذين كتبوا بالدم ملامح شخصيتهم، نستذكر اليوم الشهيد القائد محمود جودة الذي سار على خطى الشهيد الشقاقي فكانت بصماتهم واضحة في ساحات الجهاد والرباط ، يتربصون للعدو في كل وقت وحين، فلقد نذر شهيدنا أبو المحتسب نفسه لله وللجهاد في سبيله ؛ فكان كالوقود الدافع للمجاهدين الذين يحملون اللواء من بعده ، ويسيرون على نهجه فلطالما أذاق شهيدنا القائد محمود جودة العدوَ من ضرباته الموجعة وعملياته المسددة بإذن الله تعالى والتي خلفت الرعب لهذا الغاصب اللعين.

تمر علينا اليوم الخميس الموافق( 28 -2) الذكرى الخامسة عشر لرحيل الشهيد القائد محمود جودة القائد العام لسرايا القدس في قطاع غزة، والذي ارتقى للعلا شهيداً في قصف صهيوني استهدف السيارة التي كان يستقلها برفقة الشهيدين القائدين "أيمن الدحدوح" و "أمين الدحدوح" وكلاهما من قادة سرايا القدس في غزة بينما كانت تسير في شارع الصفطاوي شمال قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى استشهادهم بعد رحلة عطاء سطروها بدمائهم وأشلائهم الطاهرة.

رزقنا الله باثنتين من البنات فدعت والدته الله عز وجل بأن يرزقها بطفل يجاهد في سبيل الله ويستشهد في سبيله ، فاستجاب لدعائها الله ورزقنا بمحمود ذلك الرجل الذي دعت له والدته قبل مجيئه للدنيا بأن يولد مجاهداً ويستشهد في سبيل الله.

بهذه الكلمات بدأ والد الشهيد القائد محمود جودة أحد قادة سرايا القدس في قطاع غزة حديثه لـ"الإعلام الحربي"، حيث قال:" كانت زوجتي أم محمود بعد ولادتها لبنتين متشوقة بأن يرزقها الله ولد صالح ينفعهما في الدنيا والاخرة فدعت الله عز وجل بأن يرزقها بولد يجاهد في سبيل الله ويستشهد في سبيله فاستجاب الله لها وكان لها ما تمنت".

وتحدث الحاج أبو محمود جودة عن الصفات التي تميز بها نجله وقال :" كان شجاعاً صلباً لا يعرف الخوف في مواجهة أعداء الله وكان يتمتع بلياقة جسمية عالية، وكان محبوباً من الجميع , وشهد له بالتزامه بتعاليم الاسلام.

وأضاف: وكان محافظاً على الصلوات الخمس في مسجد الشهيد عز الدين القسام بمشروع بيت لاهيا، كما كان ملتزماً في صيام النوافل منذ صغره، وكان من محبي لعبة المصارعة والتي كان يمارسها في صالة " السلام" الرياضية التابعة لمسجد الشهيد عز الدين القسام، حيث تم ترشيحه لتمثيل فلسطين في الألعاب الدولية، غير أن ملاحقة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية حالت دون تحقيق حلمه بأن يكون احد أبطال العالم في تلك الرياضة، وتمتع بسرية تامة خلال رحلته الجهادية.

واستذكر والده الحاج عبد الفتاح موقفاً لنجله يدل على سريته خلال عمله منذ بداية عمله الجهادي حيث قال:"  في احدى المرات اصيب برصاصة في فخذه ولم نكن نعلم بذلك وكان عندما يمشي أمامي لا يظهر انه يعرج على قدمه من شدة الوجع ولكن عندما يذهب بعيدا عن نظري كان يعرج على قدمه من شدة الالم، فلم أعلم باصابته الا عندما دخلت على دورة المياه أعزكم الله فرأيت محمود يغير على الجرح".

معاناته في سجون السلطة

وتحدث والده الصابر عن رحلة معاناة الشهيد القائد محمود جودة في سجون السلطة الفلسطينية حيث قال:" تعرض محمود منذ بداية رحلته الجهادية لعدة عمليات اعتقال حيث اعتقل عام 1997 من قبل جهاز المخابرات الفلسطينية العام.

وقال لم أعلم لماذا يعتقلوا محمود ولم أكن أعلم بعمله العسكري فقط كنت اعرف أنه في العمل السياسي لحركة الجهاد، وفي احدى الاعتقالات عندما جاءوا للبيت قبيل ساعات من تجهيز نفسه لتمثيل فلسطين في الألعاب الدولية في سوريا فجاءت دورية من المخابرات الفلسطينية وسألوا عنه فقلت لهم ماذا تريدون منه فقال لي احدهم بدنا محمود نص ساعة وعلى طول راح يروح فأخذوه واستمر اعتقاله 7 شهور وتم منعه من تمثيل فلسطين في الألعاب الدولية وحرم من ذلك".

وأضاف:" أثناء فترة اعتقاله في سجون السلطة جاء أحد الجيران وقال لي ان هناك زيارات لأهالي المسجونين في سجون السلطة فقررت الذهاب انا والحاجة ام محمود وعندما توجهنا لزيارته سألنا أحدهم لمن الزيارة فقلت له لمحمود جودة فقال مدير المباحث أنه ممنوع الزيارة لمحمود فعندها انهارت أعصابي وغضبت وقلت لهم لن أذهب حتى أزوره وأطمئن عليه وحدثت مشادة كلامية بيني وبين مسئول المباحث وتم منعي من الزيارة وبعد خروج محمود قمت بسرد له ما حصل معي انا ووالدته فقال لي يا والدي يوم ما أجيت كان عندي اطباء لمعالجتي وكانت الزنزانة ممتلئة بدمائي وكذبوا عليك حتى ما تشوف أثار التعذيب على جسدي من أبناء جلدتنا".

وعن كيفية تلقيه خبر استشهاد نجله محمود قال:" كنت متوقع استشهاد محمود رحمه الله في أي لحظة لانه كان مطلوبا للعدو الصهيوني والأجهزة الامنية ، وفي يوم استشهاده كنت جالس في بيت أحد الجيران وسمعنا الاخبار عبر الراديو وتحدثت عن اغتيال قائد في سرايا القدس ومرافقين له فتوجهت للبيت فإذا بحشد من المواطنين أمام المنزل جاءوا ليسألوا عن محمود فبعضهم قال أنه مصاب والبعض الاخر قال أنه استشهد وكان البعض يتصل علينا من المستشفى ليسألونا عن ملابسه حتى يتم التعرف على جثمانه، وعندما تأكد خبر استشهاده قلت الحمد لله وتلقيت خبر استشهاده بصدر رحب والناس تواسيني باستشهاد محمود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته".

كلمة للمجاهدين

وفي نهاية حديثه وتزامناً مع ذكرى رحيله وجه "عبد الفتاح جودة" والد الشهيد محمود كلمة عبر "الإعلام الحربي" لمجاهدي سرايا القدس وكافة المجاهدين حيث قال:" كلمتي لابنائي المجاهدين أبناء سرايا القدس والمقاومة الفلسطينية أن يسيروا على درب الشهيد محمود جودة وكل الشهداء وأن يبتعدوا عن الغرور وعن زينة الحياة الدنيا وان لا يتمسكوا في المناصب والكراسي وان تكون مخافة الله بين أعينهم حتى يكسبوا الدنيا والاخرة، وأن يخلصوا النية لله".

تمنيت أن يكون كل شاب مثله

من جانبها تحدثت والدة الشهيد القائد محمود جودة والدموع تذرف من عيونها عن العلاقة التي تربطها بنجلها حيث قالت:" الله يرحمه الله يرضى عليه ربنا يجعله في الفردوس الاعلى، اخلاقه اخلاق شباب المساجد التي تربى بها، كانت معاملته حسنة معي ومع الاهل والجيران فمن كثرة تدينه واخلاقه الحميمة كنت اتمنى كل شاب يكون مثله، كان منذ طفولته وهو في الصف الاول ابتدائي مواظباً على الصلاة والصيام وخصوصاً صلاة الفجر رغم صغر سنه، كان يحترم الصغير والكبير وجميع الجيران تشهد له بالخير".

جدير بالذكر أن الشهيد القائد محمود جودة ولد عام 1980 في مخيم جباليا شمال غزة، فكان البكر لوالديه من الذكور بين خمسة ذكور واثنتين من الإناث، فأنهى مراحل تعليمه الثلاثة وواصل شهيدنا المجاهد "أبو المحتسب" تعليمه الجامعي، فالتحق بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية، لكنه لم يكمل تعليمه بسبب ملاحقة قوات الاحتلال، وأجهزة أمن السلطة له، كما أنه متزوج رغم أن زوجته كانت تعلم انه مطلوب للاحتلال ولم تتردد هي وعائلتها في قبوله، حيث أنجبت منه بنتين، وهما: "بتول"، و"نور السرايا".

رحلته الجهادية المشرفة

من جانبه تحدث "أبو البراء" احد قادة سرايا القدس بـ"لواء الشمال" عن الرحلة الجهادية المشرفة للشهيد القائد "محمود جودة" حيث قال: "الشهيد محمود كان شديد البأس على بني صهيون، فكان أبو المحتسب عندما يخرج في أي مهمة جهادية يسأل الله تعالى أن يسدد ضرباته واخوانه المجاهدون وأن يوقع القتلى والجرحى في صفوف الصهاينة".

وزاد بالقول: "الشهيد "أبو المحتسب" تقلد وسام شرف قيادة سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي، وهو لم يبلغ بعد الرابعة والعشرين من عمره وذلك نظراً لخبرته وشخصيته وحنكته العسكرية المميزة التي كان يتمتع بها منذ طفولته وحتى لحظة مرافقته للشهيد القائد مقلد حميد".

وأضاف " لقد تميز الشهيد القائد محمود جودة بعلاقات اجتماعية كبيرة فقد كانت تربطه علاقة قوبة جدا بالشهيد القائد مقلد حميد وشادي مهنا وكليهما من أبرز قادة سرايا القدس كما كنت تربطه علاقة قوية بالشهيد القائد أيمن الدحدوح والشهيد أمين الدحدوح والشهيد القسامي هاني أبو سخيلة والكثير من قادة وشهداء سرايا القدس والمقاومة الفلسطينية.

ويردف "أبو البراء" قائلاً: "التحق الشهيد محمود في صفوف سرايا القدس منذ بداية انتفاضة الأقصى، حيث قدم نفسه كاستشهادي في صفوف السرايا، وكان متحمساً للعمل العسكري بشكل كبير، حيث قام بتشكيل بعض المجموعات العسكرية لسرايا القدس "مشيراً إلى أن أول تجربة له في العمل العسكري كانت المشاركة مع الشهيد القائد مقلد حميد في إعداد وتجهيز الشهيد "نبيل العرعير" المنتقم الأول في انتفاضة الأقصى بتاريخ 26/10/2000م.

ويضيف قائلاً: "ترأس الشهيد المجموعات والخلايا المكلفة بإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون، كما كان يشارك بنفسه في العمليات البطولية، مشيراً إلى متابعته لكافة الأمور الميدانية لمجموعات وخلايا سرايا القدس في مناطق (بيت حانون، جباليا، الشاطئ، الزيتون، النصيرات، دير البلح، رفح)، و كان على اتصال مباشر مع بعض خلايا سرايا القدس في الضفة الغربية، فكان يتابع معهم كيفية تنفيذهم للمهمات العسكرية وإصدار البيانات"، مشدداً على أن الشهيد أشرف على العديد من العمليات الجهادية والتي كان آخرها تجهيز الاستشهادي عبد الحميد خطاب بتاريخ 27/2/2004م أي قبل استشهاده بيوم واحد فقط.

وفي نهاية حديثه قال "أبو البراء": " نقف اليوم في الذكرى السنوية لاستشهاد قائدنا ومعلمنا الشهيد القائد محمود جودة لنجدد عهدنا وبيعتنا مع الله ورسوله والشهداء اننا على عهدهم لسائرون وسنبقى حافظين لوصاياهم وان نسير على دربهم الذي سلكوه درب الجهاد والمقاومة حتى تحرير أرضنا ومقدساتنا من دنس اليهود الغاصبين".

وتابع قائلاً:" بإستشهاد قائدنا محمود جودة قد أثمر زرعه وها هم اليوم رجاله الذين تربوا على يديه اليوم أقوى بكثير مما سبق ها هم اليوم يغيرون معادلة الرعب مع العدو الصهيوني فعندما يحاول العدو اغتيال أي قائد منا يعمل الف حساب لمجاهدي سرايا القدس والمقاومة بغزة فقد لقنوه دروساً قاسية في معاركهم السابقة والتي كان آخرها معركة البنيان المرصوص".