الإعلام الحربي _ خاص
نقف اليــوم لـنـوي حكاية مجاهد فلسطيني الهوية والانتماء سار على هدي شموس توزعت في سماء فلسطين، خلّدت ذاكرة الوطن الجريح وأنارت درب المستقبل من أجل أن تبقى فلسطين حرة عربية، فسطّر صفحات مشرفة ناصعة عبر الجهاد والمقاومة والتحدي، فسار في طريق ذات الشوكة بكل قدرة واقتدار لتحقيق المجد والعزة لـه ولعائلته ولبلدته ولحركته الأبية، إنه المجاهد ربيع أبو الرب ابن العائلة الفلسطينية الوطنية والمشهورة.
قباطية ملاذ الفدائيين
في تلك البلدة الرائعة والثائرة في وجه المحتل ولــد وعــاش المجاهد ربيــع طفولته لينشـأ ويترعـرع في عائلة أبو الرب ودرس في مدارس قباطية حيث تعلم فيها معظم مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، ورغم أن التعليم المدرسي له أهميته القصوى إلا أن التعليم الوطني استطاع أن يستحوذ عليه وعلى عائلته حيث كان يكثر الجلوس لــدى الجدة التي تعيش في البيت هي والجد والأعمام.
الانتماء إلى حركة الجهاد الإسلامي
ما بين عامي 1990-1991م تعرف المجاهد ربيع على المجاهد ثابت سباعنة الذي كان أحد زبائن الأستوديو الذي كان يتردد عليه، وعلم المجاهد ربيع أن المجاهد ثابت ينتمي إلى حركة الجهاد الإسلامي، وكل معلوماتـه عــن هـذه الحركة هو أن شبل شهيد من أبناء قباطية كان قد طبع لـه المجاهد ربيع صورة حيث استشهد في العام 1990م واسمه حسام نزال وشارك حينها في الاشتباكات التي وقعت بعد استشهاده، وتبنته حركة الجهاد الإسلامي، ولم يكن معروفًا بانتمائه لهذه الحركة، وفي نفس الفترة تم اعتقال مجموعة من قباطية تنتمي إلى هذا التنظيم دارت حولها الكثير من الشائعات على أنها مجموعة فدائية سرية، وأن هذا التنظيم سرى جدًا ويعمل على تنفيذ عمليات عسكرية ضد جنود المحتل، وتضخمت هذه المجموعة بسبب حالة الغموض التي أحاطت بالتنظيم وعدم انتشاره الواسع حينها، واستمر المجاهد ربيع في نشاطاته الجماهيرية والتنظيمية واستطاع الحصول على السلاح بمساعدة صديقهم المجاهد صالح أبو زيـد وهو عبارة عن رشاش من نوع 500 ، وكان قد تم تفكيكه من دبابة صهيونية محترقة من مخلفات حرب العام 1967م ، وكان هذا الرشاش غير صالح على الإطلاق للعمل فما كان من المجاهد الشهيد حافظ أبو معلا إلا أن عرف المجاهد ربيع على شخصية سرية في الجناح العسكري في الجهاد و ممن ينتمون إلى عشاق الشهادة، وهو المجاهد الشهيد صالح كميل (أبو النصر) من أجل أن يقدم المساعدة في مسألة السلاح إلا أن الأمور لم تأتِ كما تمنى المجاهد ربيع و في بداية العام 1995م تم اعتقال المجاهد صالح أبو زيد، وكان في ذلك اليوم يحرص المجاهد ربيع على عدم المبيت في البيت تحسبًا لأي طارئ وخوفًا من مداهمة الشاباك لبيته من أجل اعتقاله، كما هو حال بعض المطاردين فإن عائلاتهم تشتاق لهم.
تجربة الاعتقال الأولى
اضطر والد ربيع أن يبيت نجله تلك الليـة في البيت بتاريخ 1995/01/22م، وهو نفس اليوم الذي وقعت فيه عملية بيت ليد الشهيرة حيث تم محاصرة المنزل واعتقال المجاهد ربيع، وتم اقتياده إلى مركز تحقيق مدينة جنين لمدة شهرين، وكانت هذه هي التجربة الأولى له في التحقيق، وكانت هذه الفترة قاسية جدا حيث كان استقباله في أول يومين عبر وضعه فيما يسمى بالخزانة، وهي عبارة عن زنزانة عرضها أقل من متر وطولها قرابة متر ونصف حيث في اليوم الأول كان مقيدا إلى الخلف ومكث على هذه الحالة لأيام.
قيادة العمل التنظيمي مع الشهيد نعمان طحاينة
امتد نشاط المجاهد ربيع أبو الرب ليشارك خلال تجربة اعتقاله الأولى بمختلف الأنشطة الثقافية والوطنية والتنظيمية في ساحة الأسر وصقل شخصيته، ونال شهادة الثانوية العامة محققا أمنية والده الذي تألم بخطف ولــده عـن مقاعد الدراسة عندما كان في الفصل الأول للثانوية العامة حيث كان يعده لتحقيق حلمه في إكمال الدراسة الجامعية، وشغل المجاهد ربيع عدة مواقع تنظيمية رغم صغر سنه خاصة في السنة والنصف الأخيرة في فترة اعتقاله، ومع اقتراب موعد تاريخ الإفراج عنه كان قد اقترب موعد الإفراج مع مجموعة من المجاهدين الذين صقلوا شخصيتهم لحمل همَّ فلسطين والإسلام، فأعدوا أنفسهم لإكمال الدرب وسراجه بعرقهم ودمائهم، منهم بالإضافة ربيع إياد الحردان و ثابت مرداوي ومحمود الصرصور ومحمد ياسين وسليمان طحاينة وخالد زكانة وغيرهم من المجاهدين، ومنهم من سبق المجاهد ربيع إلى الحرية ببضعة أيام أو بضعة أشهر، ومنهم من تنسم الحرية بعده بقليل. قد أنعم الله على المجاهد ربيع شمس الحرية النسبية بتاريخ1998/11/28م، فالحرية للأسير الفلسطيني هي حرية نسبية ومنقوصة، فهو يخرج من السجن إلى سجن آخر، ولكن بشروط أفضل بقليل طالما أن المحتل الصهيوني يدنس فلسطين ويعيث فيها فسادًا ويخنق حرية أهلها ويجردهم من حقوقهم ويكبت أنفاسهم وينهب أرضهم وثرواتهم.
بدايات العمل العسكري
كانت قد دارت نقاشات بين مجموعة من المجاهدين داخل أسوار الأسر حول ضرورة الإعداد وإعادة بناء الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، وكان البعض على قناعة أن انتفاضة فلسطينية جديدة قــد آن أوان ميلادها، وهي في أي لحظـة قــد تندلع شرارتها، وأن شروط وجودها على الأرض قد توافرت خاصة أن السلطة الفلسطينية قد خف بريقها، وقد بدأ الناس بالتذمر من بعض الممارسات السلبية وتحن إلى أيام الانتفاضة الأولى قبل مجيء السلطة من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مشروع التسوية حســب مــا رســم في أوسـلـو قــد حـان وقــت مواجهته للقضايا الكبرى في الصراع حيث نصت اتفاقية أوسلو على تأجيل القضايا الكبرى للحل النهائي أي القدس اللاجئون، الحدود، شكل الكيان الفلسطيني إلى آخره، بحيث تبدأ المفاوضات حولها بعد تطبيق المرحلة الأولى على أن لا تتجاوز ثلاث أو خمس سنوات، والتوصل إلى اتفاق حولها بما لا يتجاوز خمس سنوات من تطبيق المرحلة الأولى، ومع اقتراب الموعد الأقصى لإبرام اتفاق دون البدء بأي مفاوضات تخص القضايا الكبرى، أما تسويف العدو الصهيوني فكان لكسب الوقت وتسارع الاستيطان وتهويد القدس، فكانت السلطة الفلسطينية وليدة مشروع التسوية ومن ينادون به قد وصلت إلى طريق مسدود واستنفذت المهمة التي كانت تطالب بها المكونات الوطنية في الساحة الفلسطينية، وهذا يعني فشل مسار التسوية وتأكيد صحة رؤية القوى المعارضة والمقاومة وافتراضاتها ومن بينها الجهاد الإسلامي؛ لذلك يجب على مجاهدي الجهاد الإسلامي ومعهم جميع القوى المحلية والحية أن يكونوا جاهزين لهذه اللحظـة التاريخية، ويشتد رأيهم بالعمل ويعيدون القضية الفلسطينية إلى مكانتها ويصوب الانحراف الخطير الذي لحق بها، وكان المجاهد ربيع من بين الذين شاركوا في مثل هذه النقاشات تارة في إطار نقاشات فكرية ثنائية أو جماعية، وتارة أخرى كانت ثنائية مع مقربين ثقات بغرض توطين النفس للعمل والتعود على ذلك وبشكل سري، كما سعى من خلال فترة الأسر بالتقرب للمجاهدين من الذين لديهم معرفة عسكرية خاصة في مجال تصنيع المواد المتفجرة وتعبئتها ومحاولة أخذ أفكار عامة وأحيانًا تفاصيل نظرية.
قيادة سرايا القدس
وبعد تشكيل أولى مجموعات سرايا القدس في نابلس بفترة أتى رده المباشر على اغتيال القائد إياد الحردان، حيث قاد بعدها سرايا القدس في عموم نابلس فكان مرشداً وملهماً للمجاهدين، وعملوا جميعاً بهمةٍ عالية لتثبيت معادلة الردع مع العدو الصهيوني، على الرغم من الجهد الاستخباراتي الكبير من العدو، وملاحقة أجهزة السلطة لكوادر حركة الجهاد، لكن هذا الشيء أثر بشكل عكسي على مراد الاحتلال فاستطاع أن يوطد علاقته مع كوى المقاومة كافة.
الاعتقال الثاني.. مرحلة جديدة من الجهاد في السجون
لقد كاد مجاهدنا ربيع أن يفلت من بين يدي الشاباك الذين لم يستطيعوا تشخيصه بادئ الأمر بعد تقمصه شخصية أخرى لولا عملاء وجواسيس العدو الذين قاموا بتشخيصه؛ فقد كانت المعلومات لدى الشاباك وكثير من المقاومين أن المجاهد ربيع قد استشهد في عملية جبانة قام بها أحد أعوان الشاباك بإطلاق النار من الخلف فهذه الحادثة أدت لارتقاء إياد أبو الرب ومحمود القني شهيدين وإصابة مجاهدين آخرين، فذاع الخبر باستشهاد المجاهد ربيع، وكان مسجلا في قوائم الشهداء، لكن كُتبت لمجاهدنا حياة جديدة ودور جديد، فمنذ اعتقال مجاهدنا في 2002/04/07م خاض ثلاث تجارب تحقيق آخرها 2010م على إثر معلومات وردت مــن خلال التنسيق الأمني على اعترافات ومعلومات لدى السلطة الفلسطينية تخص قضايا العام 2001م، وفور وصول المجاهد ربيع لسجن شطة بعد انتهائه من التحقيق انخرط في ساحة العمل الجديد، فكان من نتائج انتفاضة الأقصى خاصة عقب الاجتياحات قد تضاعف عدد الأسرى وفتحت سجون جديدة، وكان العدد المتزايد للمجاهدين في ساحة السجن بحاجة إلى جهد كبير خاصة أن غالبيتهم ليس لديه تجربة اعتقالية ومستجدين على الواقع الجديد وتنقصهم آلية تنظيمية وثقافية، والكادر الموجود غير قادر على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة، الأمر الذي استدعى جهودًا كبيرة واستغلال كل الطاقات الممكنة ليأخذ المجاهد ربيع مكانه، وخلال وقت قصير في ساحة العمل التنظيمي والتثقيفي في الحركة الأسيرة، وقبل انتهاء عام 2002 م قامت قوات الاحتلال بهدم منزل عائلة مجاهدنا، وقبل الهدم بوقت قصير اعتقل شقيق المجاهد ربيع الأكبر محمد أبو الرب الذي كان أيضًا مطاردًا لقوات الاحتلال ليكون وقع الصدمات المتتالية ثقيلا.
وفي العام 2004م حكمت المحكمة العسكرية الصهيونية عليه بالحكم المؤبد إضافة إلى 35 عاما، وعلى شقيقه محمد بالمؤبد، ثم تم تخفيض الحكم إلى (30) عاما في محكمة الاستئناف العسكرية.
نسأل الله الفرج القريب عنه وعن جميع الأسرى